سلايد 1مقالات وبحوث
الأسرة وتعزيز التعددية
بقلم: نائب رئيس التحرير الدكتور ابراهيم شريف استاذ علم الاجتماع
تعد الأسرة أبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وذلك باعتبار أن الأسرة من نمط الوحدات المحورية في المجتمع، وهى تكتسب محورتيها من خلال أن كل فرد في المجتمع من الطبيعي أن ينتمى لفترة طويلة من حياته لأسرة ومن ثم فإنه يكتسب خبرة الحياة الأسرية، بالإضافة إلى ذلك فإننا نجد أن الأسرة هي الأقوى تأثيرا من بين كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية لأن الفرد يعتمد عليها عاطفيا وماديا الأمر الذى ييسر قبوله الصعوبات التي يتعرض لها أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، و لذلك فأن الفيلسوف الصيني كونفشيوس أرجع صلاح الحكم أو المواطنة الصالحة إلى قدرة الأسرة على تلقين أطفالها قيم الفضيلة والحب المتبادل والمصلحة العامة للوطن، الأمر الذى دعي الدولة إلى تحمل مهمة التنشئة السليمة ابتغاء تأسيس نظام اجتماعي سياسي يؤدى إلى قيام حكم صالح متين، ومن هنا تعد الاسرة من أهم الروابط الاجتماعية بين الفرد والمجتمع وغيرهما، حيث تؤدي الاسرة دورا مهما في تعليم الابناء السلوك الديمقراطي، والديمقراطية هي المصطلح الذي يدل على التعددية والمشاركة في الحضارة الغربية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة، وحيث أن الديمقراطية نظام اجتماعي يؤكد قيمة الفرد وكرامته الشخصية والإنسانية وعندما تكون منهجيا حياتياً عاما يمارس في الحياة اليومية وضمن العلاقات الاجتماعية فإن ذلك يعني أنها تبدأ أول ما تبدأ من الأسرة في البيت الصغير وتنتقل بعد ذلك إلي الدوائر الأكبر فالأكبر متدرجة إلي أن تتوسع لتشمل كل الدوائر من حولها والمحيطة بها، ومن ثم تبني من خلال ذلك ديمقراطية تفتح أذرعها ومساحاتها للرأي والرأي الأخر، دون مصادرة ونبذ وتهميش ومقاطعة وضغوط ووصاية وإلغاء وتعال لأحد علي أحد لمجرد الطرح المختلف والرأي المغاير وهذه ممارسة لا تعبر أو لا تصدر إلا عن حالة مستبدة وممارسة دكتاتورية تمارس الهيمنة والإلغاء والمصادرة والوصاية علي الآخرين، كما ترجع أهمية الأسرة كوحدة للتنشئة الديمقراطية إلى كونها تضم أول نمط للسلطة يعايشه الطفل ، ومن ثم تؤثر طريقة ممارسة هذه السلطة فيه وعلى اتجاهاته ومعارفه، فإذا كان الأب متسلطا في معاملته لأفراد أسرته بات من المحتمل ان تتأكد لدى الأبناء قيم الإكراه والسلبية الفردية، وبالمقابل إذا كان الأب ديموقراطيا تربى الأولاد على قيم الحرية والاهتمام بالجماعة. ويتضح تأثير الأسرة في التنشئة الاجتماعية للأطفال، حينما تتبنى أفكار معينة ينشأ الأطفال عليها ، علي سبيل المثال فقد بينت الدراسات أن الأطفال في الولايات المتحدة يميلون إلى أن يكونوا ديموقراطيين أو جمهوريين تبعا للحزب الذى ينتمى إليه الوالدان .
وفى تقييم لدور الأسرة في تعزيز التعددية، من حيث قيمها السياسية تذهب إحدى الدراسات إلى أنه برغم أن التنشئة السياسية جزء من التنشئة الاجتماعية ، إلا أن هناك بعض العوامل التي تقلص نسبيا دور الأسرة في عملية التنشئة السياسية، من هذه العوامل ان كثيراً من الأدوار والعلاقات السياسية لا تتم إلا عند الكبر، ومن ثم فهي ليست ذات طبيعة آنية، وإن كانت بعض مبادئ المشاركة تتحقق من خلال التنشئة عند الصغر، إضافة إلى أن معظم حالات المشاركة السياسية للفرد ترتبط بقضايا سياسية معاصرة ، وترتيبات حكومية محددة وزعامات وجماعات سياسية معينة هذا بالإضافة إلى ان الفترة التي يكون فيها الفرد في أكثر حالات وعيه ومشاركته السياسية يكون في الواقع بعيدا كل البعد عن مرحلة الطفولة، التي تمتاز بالتأثير القوى للأسرة، وعلى هذا النحو قد يحدث تداخل بين تأثير الأسرة في التنشئة السياسية وبين السياق السياسي لحياة الفرد عند الكبر، إلى جانب أن بنية الحياة السياسية قد تختلف عن ما كان موجوداً، خلال مرحلة الطفولة، بينما يتمثل العامل الثاني المحدد لدور الأسرة في التنشئة السياسية في ان الأسرة لا تهتم كثيراً بإعداد أبنائها للحياة السياسية مثل اهتمامها بإعدادهم لأدوار أخرى، وذلك يرجع إلى أن المحيط السياسي لا يمثل شيئا مهما وبارزاً بالنسبة لمعظم الأطفال والصبيان، وأن إعداد الأبناء للأداء أدوار مهنية أسرية يعتبر أكثر أهمية وأولوية بالنسبة لمعظم الأسر، من إعدادهم للحياة السياسية. وفى هذا السياق نجد أن الأسرة تبذل جهداً واضحاً من أجل تعويد الأطفال على الاعتماد على النفس والقيام بالأدوار المختلفة وتهيئتهم للزواج والأبوة والأمومة وتربيتهم تربية دينية مناسبة ، أما التعليم السياسي وتعليم المواطنة فإن الأسرة لا تولية إلا جهدا ووقتا ضئيلا وفى الغالب يتحقق بصورة غير مباشرة، بالإضافة إلى ذلك فإن الأسرة من خلال التنشئة السياسية، قد تغرس في الطفل القيم وأنماط السلوك السياسي والمشاركة السياسية في أكثر مستوياتها مثالية غير أنه حينما يتعامل في الواقع استنادا إلى هذه القيم، فإنه يواجه في الحقيقة بقيم وسلوكيات وأنماط مشاركة لا تتسق ومضامين التنشئة السياسية، التي استوعبها خلال مرحلة الطفولة، الأمر الذى يؤسس لديه صدمة ثقة في التفاعل السياسي المحيط به، ذلك إلى جانب أن الأسرة العربية باستثناء الأسرة في مجتمعات الخليج تتعرض لظروف اقتصادية صعبة وضاغطة بحيث تجعل التفاعل داخل الأسرة ليس مستقراً ، إن لم يكن عدائيا ، في أفضل الأحوال قد لا يتيح الفرصة للأسرة التفرغ للقيام بالتنشئة الاجتماعية بالمستوى الملائم ، هذا بالإضافة إلى أن ارتفاع نسبة الأمية في مجتمعاتنا من شأنه أن يعوق القيام بالتنشئة السياسية للأبناء، بخاصة فيما يتعلق بالجانب المفاهيمى، أو ببعض القضايا ذات الطبيعة السياسية.
ومن أجل تحقيق و تأسيس تنشئة اجتماعية قادرة علي دعم التعددية داخل المجتمعات العربية، ضرورة انطلاق مختلف عمليات التنشئة الاجتماعية من مرجعية أساسية من مبادئ وقيم التراث القابلة للتجدد أضافة الي المعرفة المعاصرة، وأيضا بالشمولية والتكامل وتتحقق الشمولية اذا تمكنت التنشئة من تغطية كافة المجالات وفئات الشريحة الشبابية بوجه خاص ، وبالمثال والنموذج الذي يفرض المرجعية الاخلاقية والثقافية وضرورة احتذاءه بذلك، وتنمية واكساب قيم المواطنة الصالحة، والتأكيد علي عصرية مضمون التنشئة الاخلاقية والثقافية أي تكون قادرة علي تجهيز الشخصية بمضمون قيمي، يرشد حركتها في المجال الاجتماعي، بحيث يجعلها قادرة علي مواجهة ما قد تطرحه التفاعلات المعاصرة من مشكلات وقضايا.