الأبناءصحة الأطفالقصص وحكاياتمقالات وبحوث
في مدرسة تربية الأبناء
ندما أنجبت زوجتي ابني الأول، أحببته من أول نظرة، وشعرت برغبة قوية أن أحميه، وأوفر له أفضل حياة ممكنة، وأن أفعل كل ما باستطاعتي لأساعده أن يكبر واثقًا من نفسه وناجحًا. لكن سرعان ما بدأت الأسئلة والمخاوف تتزاحم داخلي. فأنا مثل كل الآباء، أريد لابني أن يعيش سعيدًا، ويكبر في جو يدعم شخصيته، وينمي قدراته، ويطور شغفه بالحياة. وعندما رحبنا بابننا الثاني، تجدد في داخلي السؤال: ما الذي أحتاج أن أعرفه لأربي أطفالي ليكونوا سعداء، يستخدمون المواهب التي استودعها الله فيهم ليحققوا نجاحًا في حياتهم، ويصنعوا فرقًا في العالم من حولهم.
لا يبدو أن هناك إجابة محددة على هذا السؤال؛ فخبراء التربية يركزون نصائحهم في معظمها على الجوانب الخاصة بالنمو مثل: النوم، الأكل، الترابط الأسري، وأساليب التأديب. لكني كنت مقتنعًا أنني بحاجة لأكثر من مجرد معلومات حول رعاية الأطفال وإطعامهم.. فأكثر ما نحتاج إلى معرفته كآباء وأمهات هو كيف نزرع في أبنائنا القيم الإيمانية والأخلاقية التي تتفق مع مسيحيتنا، كيف نتعامل مع التحولات الثقافية الهائلة التي حدثت مؤخرًا، والتي تؤثر بلا شك على أسلوب تربيتنا وطريقة تعاملنا معهم، وكيف ننمي فيهم المهارات الشخصية اللازمة للنجاح في الحياة بحسبمواهبهم وميولهم الطبيعية، بغض النظر عن مقدرتهم على التحصيل الدراسي، والذي تعاظم الاهتمام به بين آباء هذا الجيل على حساب تطور ونمو شخصية أبنائهم.
لأن السنوات الخمس الأولى هي الأكثر أهمية في التنشئة السليمة؛ بدأت مبكرًا.. فقررت أن أحترم تفرد شخصية كل منهما، وألا أقارن بينهما في شيء. اجتهدت أن أدعم اهتمامي بتربيتهما بالمعرفة حتى أستطيع مساعدتهما على تطوير قدرتهما الشخصية لصنع الاختيارات الحكيمة. فإذا استطاع الأبناء التفكير بأنفسهم لاتخاذ قراراتهم، سيستطيعون مواجهة التحديات التي قد تأتي في طريقهم بينما يكبرون! بالطبع كان هناك أخطاء، وأوقات من الغضب، والدموع أحيانًا، لكننا لم نضيع أي فرصة للحوار معهما عن الأسباب، ولم نحاول أن نعفيهما من تحمل نتائج اختياراتهما.
والآن بعد مضي سنوات طويلة عشناها كأبوين، يمكننا أن ننظر للوراء ونشارك مع الآخرين بما ساعدنا أن نتغلب على مشاكل التربية، ومواجهة تحديات ضغوط الأقران، والخوف من متابعتهم للميديا الإباحية، ومن كل ما كان يمكن أن يؤثر على تفكيرهم وسلوكهم واختياراتهم. لم تكن الحياة في بيتنا مختصرة في متابعتنا للميديا أو وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد بدأنا مبكرًا في الحوار الأسري الذي أقنع ابنينا بأن الحياة أجمل من إدمان متابعة قنوات الدش، والألعاب الإلكترونية، أو الاستغراق لساعات مع هواتفهم المحمولة.. لقد اتفقنا أن الهُوية الشخصية لا تُكتسب بماركات الأحذية والملابس المشهورة.
خمس استراتيجيات تربوية ساعدتنا عبر السنين في تربية أبنائنا: الثقة، الاحترام، الاستقلالية، التعاون، والكرم.. أبدأ هذه المرة بالحديث عن أولها، وأترك الحديث عن البقية للمرات القادمة.
الثقة: لا شك أننا نعيش في أزمة ثقة في مجتمعات اليوم. نحن الكبار نخاف، وهذا يجعل أطفالنا خائفين.. يخافون من تحمل المسؤولية وقبول المخاطر، من إبداء آرائهم، أو اتخاذ موقف يشهد عن إيمانهم. الثقة يجب أن تبدأ معنا نحن
أولاً قبل أن تتحقق في علاقتنا مع أبنائنا.
الثقة هي الكيمياء غير المنظورة التي تحقق الترابط في الحياة بشكل عام. أما في الأسرة فالثقة هي نوعية الحب والالتزام والصداقة والشراكة بين الزوجين، وعلى نفس القدر بين الوالدين والأبناء. إنها العنصر الأكثر أهمية في التواصل الفعال، والذي يضمن استمرار العلاقات. إنها أحد أهم المقومات لبناء شخصيات سوية. الثقة، والشعور بالأمان، والحب عناصر متشابكة وضرورية لتنشئة أبناء ناجحين. لكن الأمر ليس بالسهولة التي نتمناها؛ فلبناء علاقة ثقة مع أبنائنا نحتاج كآباء للتوقف والتفكير في بعض السلوكيات من شأنها أن تدعم الثقة معهم.
(١) عش ما تنصحهم به.. تطوير علاقة الثقة مع أبنائك له علاقة مباشرة بالتزامك بما تنصحهم به. بناء الثقة يتحقق من خلال ممارسة ما تعظ به.
(٢) استمع لهم.. الكثير من الآباء يحتاجون لتطوير مهارات استماع جيدة عند التحدث مع أبنائهم. أن تصغي إلى ما يشاركون به من خبرات ومشاعر يكسبك ثقتهم. تجنَّب استخدام الأحكام المسبقة وعبارات اللوم والإدانة، ولا تدخل في حوار معهم بنية مسبقة أن تقنعهم بوجهة نظرك. عندما تستمع لهم باهتمام سيشعرون بالراحة أن يتحدثوا معك بصراحة أكثر عن حياتهم.
(٣) كن صريحًا بمحبة.. عندما تشارك ابنك أو ابنتك بالحقيقة من البداية هذا سيقوي العلاقة بينكما، وبالطبع ستأتي الثقة تلقائيًا مع الصدق الدائم في الحديث. بقدر الإمكان أجب على أسئلتهم بأمانة، وشارك بالحقيقة بأكثر الطرق المناسبة لعمرهم.
(٤) لا تكسر وعودك.. لا تعد بما لا تستطيع الوفاء بها. قد يمثل هذا تحديًا كبيرًا للكثيرين، خاصة لمن يقدمون وعودًا لمجرد إنهاء موقف معين بينما لا ينوون في الواقع الالتزام بها. كسر الوعود يؤثر بالسلب على علاقة الثقة مع الأبناء؛ لأنهم يأخذون ما نعدهم به بجدية أكثر جدًا مما نتوقع. إذا بدا أنك غير قادر على الوفاء بوعدك، أخبرهم مسبقًا بذلك، واشرح أسبابك ببساطة ووضوح، وستفاجأ أنهم سيتفهون ويقبلون التغيير أو التأجيل.
(٥) لا تهدد.. عندما تتخذ موقفًا تأديبيًا وقررت عقابًا ما، لا تفعل ذلك وأنت غاضب؛ حتى لا تهدم معنوياتهم أو تجرح كرامتهم. كن محددًا وغير مبالغ فيما تقرره حتى تستطيع تنفيذه. تطبيق القواعد التربوية في البيت لا يعني فرض حالة من الأحكام العرفية. من المدهش أن التمسك بما تم الاتفاق عليه من عقاب يؤكد الثقة مع الأبناء.
(٦) قدِّر الصدق.. تقديرك لأمانة أبنائك معك يبني علاقة ثقة قوية للغاية معهم، بالإضافة إلى أن هذا التقدير يساعدهم على أن يصبحوا أشخاصًا يتمتعون بالنزاهة.
(٧) ثبات في المشاعر.. دع أبناءك يتأكدون دائمًا من محبتك غير المشروطة.. فأنت تحبهم كما هم، وإن كنت لا تريدهم أن يبقوا كما هم. اشرح لهم توقعاتك منهم، ولا تربط بين إنجازاتهم وزيادة أو نقصان محبتك. عندما يكون هذا الأمر واضحًا كنور النهار في أذهانهم، لن يكون لدى أبنائك أي شك في قلوبهم بشأن ثقتهم في شخصك وفي كلامك. “الثقة مثل ضغط الدم.. صامتة لكنها حيوية لصحة الحياة الأسرية، وإذا لم تتابع مستواها قد تكون مدمرة للعلاقات!”
وطني