عيب.. اتكلم بصوت هادئ.. احترم الكبير.. اوعي تكذب.. اسمع الكلام.. ساعد الآخرين.. وغيرها من التعليمات والنصائح التي نكررها علي أسماع أولادنا فينظرون إلينا بسخرية وتعجب!! نعم لأنهم لا يسمعون بل يراقبون، وكما نعامل الآخرين يتعاملون. لذا فإن التربية السليمة تستحق أن ندرك أننا مراقبون..!!
وحول مراقبة الأبناء وتقليدهم لسلوكيات الآباء كان هذا التحقيق لرصد تجارب الأهل مع أبنائهم ومدي إدراكهم لهذه المراقبة
مجدى الشاذلى- محاسب ووالد لطفلين – يحدثنا عن متابعة طفليه لسلوكه يقول:
– عشت 20 سنة بأمريكا ثم عدت لمصر وتزوجت وأنجبت وحرصت فى معاملتى لأولادى على الصراحة الكاملة وألا أستخدم الأمر، بل لغة الطلب والحوار والمناقشة لأن الأمر فيه امتهان للطفل وعادة إن نفذ ما أطلبه أمامى يفعل عكسه فى غيابى.
كذلك أكون حريصا جدا على ما أفعله أمامهم وأجعلهم يجلسون معى على الفيس بوك ليشاهدوا كيف أتحدث مع الآخرين.
وتتفق معه وفاء شلباية- ربة بيت قائلة:
– عادة أولادى يشاهدوننى فى كل تعاملاتى فإذا وجدونى أكذب سيكذبون وإذا لاحظوا أننى لا أحترم الأكبر سنا فإنهم لن يحترمونى.
أحاول قراءة كتب فى التربية لأعرف كيف أتعامل معهم بذكاء لأن الأطفال أذكى مما نتخيل، وإذا نصحناهم بمالا نفعله سيخبروننا بأننا أيضا نخطئ.
سيدة شيرين – موظفة:
– لم أكن أدرك أننى أربى ابنتى على الكذب عندما أخبرها أننا سنذهب لبيت إحدى صديقاتى ولن نخبر والدها. وكنا نشترى أشياء دون أن نخبره ونتناول الطعام فى الخارج وهو لا يعلم لأن عندى مشاكل كثيرة معه وكنت أحاول التعايش، لكن مؤخرا اكتشفت أن ابنتى تفعل ما كنت أفعله، فقد كانت تخبرنى بأنها ذاهبة للدرس ثم تخرج مع صديقاتها وعندما واجهتها أخبرتنى أنها لم تفعل شيئا خطأ وكانت تعلم أننى سأرفض فاختصرت الطريق كما أفعل أنا مع أبيها وطبعا جننت وضربتها لكننى راجعت نفسى وأحاول الآن تصحيح خطئى.
المستقبل!
هانى شوقى – سائق – يقول:- أتمنى أن يكون ابنى أفضل منى ولذلك توقفت عن التدخين أو نطق أى لفظ خارج فى البيت وأنا أريده أن يكون إنسانا مختلفا لذلك آخذه معى للمسجد، وإذا حدثت مشكلة بينى وبين أمه أنهيها بعيدا عنه أخاف أن يتعلم منى شيئا سيئا لا أعرف معالجته عندما يكبر.
وتتفق معه زوجته نادية قائلة: – معلوماتى عن تربية الطفل قليلة، لكنى متأكدة أن ابنى سيفعل ما يرانا نفعله فإذا وجدنا نصلى ونقرأ قرآناً سيقلدنا وإذا وجدنا نحترم أهلنا ونصل رحمنا سيكون حنونا معنا.
أما رشا عنبر – ربة بيت فتقول:- ربتنى أمى على الالتزام والاحترام وعدم الكذب وقد شاهدتها تفعل كل ما تطلبه منى وأحاول فعل نفس الشىء مع أولادى ومستحيل أن أطلب منهم أن يقولوا لأحد إننى غير موجودة وأنا بالداخل أو أذهب لمكان لا يعلمه والدهم.
ويحكى سعيد محروس – مهندس – تجربته مع أولاده قائلا: بعد إنجابى لأولادى حاولت ألا أدخن السجائر أمامهم وكنت كاللص أثناء قيامى بالتدخين حتى فوجئت بابنى فى الصف السادس الابتدائى يدخن وعندما واجهته أخبرنى أنه يشاهدنى وأنا أدخل الحمام لأشرب السجائر ففعل مثلى.
يدرك الأهالى أنهم مراقبون ولكن كيف يراقب الصغار؟
يقول إسلام أحمد: الصف الثالث الإعدادى :
– أراقب كل شىء يحدث فى البيت ودائما أشعر أن أمى تتعب من أجلنا وأن والدى رجل طيب من المحل للجامع للبيت لذلك أركز فى المذاكرة ويوم الخميس أذهب لمساعدته فى عمله لأننى أتمنى أن أحقق آماله عنى.
مهند حسن ثانية إعدادى يقول:- والدى يسهر كل يوم فى «القهوة» ولا يجلس معنا وبصراحة أقنعت زملائى للجلوس على القهوة لأعرف ما الذى يعجبه فيها ولم أجد شيئا مميزا وأشعر أنه لا يحب الجلوس فى البيت، ودائما يصرخ فينا لأصرخ أنا فى أختى الصغيرة وأضربها وأحيانا أتشاجر مع أمى لأننى راجل مثل أبى ويجب أن يعرفوا ذلك.
وتقول سهيلة – الصف الخامس الابتدائى- : إنها تعانى بشدة من كثرة كلام أمها عن الجيران وتضيف : نصيحة أمى المتكررة لى بألا أخبر أحدا عن أى شىء فى البيت لأن «عينهم وحشة» ولا أعرف معنى الكلمة.
الحوار
وإذا كانت المراقبة هى الأسلوب الأساسى فى التعلم عند الأطفال فكيف نستخدمها لصالحهم؟ عن هذا تحدثت مع المتخصصين.
د. ليلى كرم الدين -أستاذ علم النفس بمعهد دراسات الطفولة عين شمس- تقول:
– التربية السليمة للأطفال تعتمد بشكل أساسى على خلق جسر من الترابط والحوار معهم فعندما يرتبط بى ابنى سيهتم بنصائحى ويتبع تعليماتى ويتخذنى قدوة له وهنا يجب أن أهتم بكل سلوك أقوم به لأن الطفل ذكى ويقلد من يحبه والارتباط المبكر مع الأبناء يساعد بشكل كبير فى توجيههم كما أريد ويجب أن تكون التربية عن حب لا عن خوف لأن الطفل عندما يحب أبويه سيلتزم بتعليماتهم سواء فى حضورهم أو غيابهم أما الخوف منهم فسيدفعه لفعل الخطأ فى الخفاء. كذلك على الأهل إدراك مراقبة الطفل الدقيقة لسلوكياتهم فإذا كذب الأهل سيكون الابن كذابا وإذا كانوا غير اجتماعيين أو لا يصلون الرحم سيتعلم الطفل نفس السلوك وستزداد المشكلة فى سن المراهقة عندما يبدأ التصرف بندية، هنا سيقوم بكل سلوك اختزنه فى ذاكرته قام به والده أو أمه وهنا يجب على الأهل التعامل بحرص خلال هذه المرحلة وأن يكون تعاملهم مع الابن متسقا،فلا يجب أن أعامله كطفل فى مواقف ثم أخبره أنه كبر وأصبح مسئولا فى مواقف أخرى فاتساق الأسلوب فى التعامل ينضج شخصيته بشكل سوى أما التناقض فيصيبه بتوتر ويجعله غير سوى.
وتحذر د. ليلى من عدم الارتباط بالأبناء منذ الصغر لأن هذا قد يجعلهم يقلدون آخرين ويقومون بسلوكيات خاطئة لمجرد إثارة غضب أهلهم. لذا يجب أثناء عملية التربية أن نهتم بالتواصل ومراجعة تصرفاتنا مع وأمام أولادنا ونعتذر لهم إذا أخطأنا فى شىء، فالمسألة ليست عملية عشوائية أو سهلة لكنها تحتاج قدرا كبيرا من الجهد والوعى فى السنوات الأولى ثم فى الانتقال بين المراحل العمرية وإذا فعلنا ذلك لن يستطيع أحد التأثير السلبى على أولادنا.
التربية عمل مشترك
وتتفق معها د. زينب شاهين أستاذ علم الاجتماع قائلة: تربية الابناء عملية مشتركة بين أكثر من جهة، ربما تكون الأسرة هى اللبنة الأولى فى هذه العملية لكن يتداخل معها المجتمع والمدرسة والإعلام. لذا فإن التربية السليمة تعتمد على تعاون هذه الجهات مع بعضها البعض ليكون هناك جيل جديد سوى. ويجب أن نعى أن المراقبة والتقليد هما الأسرع وصولا للطفل. وكلما كان الوالدان على وعى بأنهما مراقبان فإنهما سينجحان فى نقل السلوكيات والأخلاق الطيبة، كذلك يجب عليهم الاهتمام بانتقاء المجتمع الذى ينقل منه الطفل سلوكياته وإذا وجدنا أنه يحتك بنماذج قد تسىء له يجب إبعاده عنها وتوجيهه إلى خطورة ذلك ولن يستجيب لهذا الإبعاد إلا إذا كان هناك تقارب ذهنى ونفسى بينه وبين أسرته منذ البداية. وختمت حديثها مؤكدة على ضرورة ترك أولادنا لكل وسائل التكنولوجيا بلا رقابة لكن يجب أن نكون معهم خلال متابعتهم لهذا العالم