صحة الاسرة
دراسة: الأطفال الذين ترعاهم المربيات أكثر عرضة لاكتساب سلوكيات سيئة
أكد باحثون إن نوعية الرعاية تؤثر سلباً أو إيجاباً في حياة الطفل، كما أن للعائلة دوراً كبيراً في التربية وزرع القيم والمبادئ.
وأشارت دراسة قام بها علماء في جامعة أستراليا الوطنية إلى أن عدم اهتمام الوالدين بأطفالهما قد يسبب مشكلات لاحقاً، مهما كان مستوى المعيشة للعائلة.
وأكدت الدراسة أن غياب الوالدين عن البيت طوال النهار، وترك الأطفال للمربيات أو الوجود غير الكافي؛ يؤدي إلى اكتساب الطفل سلوكاً سلبياً، مقارنة مع الأطفال الذين يقضون وقتاً كافياً مع آبائهم وأمهاتهم.
أشرف على الدراسة البروفيسور اندرو ليه، والدكتور شيكاكو ياموشي، اللذان استخدما بيانات لمسح قامت به مؤسسة حكومية، تركزت على عينة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين سنتين وثلاث سنوات.
وطرح الباحثون مجموعة من الأسئلة على أولياء الأطفال، في الدراسة التي نشرت في مجلة ساينس أليرت، تناولت كيفية استجابة الأطفال في ظروف غير عادية، ومدى إصرارهم على ممارسة ومواصلة بعض النشاطات، وكذا الحالات التي أظهروا فيها الغضب.
وبحسب صحيفة الإمارات اليوم قال ياموشي:”وجدنا بعض الأدلة التي تؤكد أن أطفال الحضانة أو الذين ترعاهم المربيات، لديهم قابلية لاكتساب سلوك سيئ”، وأضاف: “هذا لا يعني أن أماكن الرعاية مؤذية للأطفال”. كما وجد الباحثون أن هناك اختلافات واضحة في ما يخص العلاقة بين السلوك والرعاية، وذلك بحسب وضع العائلة الاقتصادي، وكذا نوعية الرعاية.
أما البروفيسور “ليه” فيعتقد أن الربط السلبي بين السلوك والرعاية غير الأبوية يتجسد أكثر عند أطفال الأثرياء والمتعلمين، مضيفاً أن «هذا يتوافق مع دراسة سابقة تقول: “إن أطفال العائلات الثرية والمتعلمة لديهم وسائل ترفيهية أكثر من غيرهم، في الوقت الذي نجد الأولياء عادة يكونون منشغلين عن أطفالهم ويقضون أوقاتاً طويلة خارج المنزل”.
في المقابل، وجد العلماء أن الرعاية في الحضانة أو الملحقات المتخصصة يمكن أن تقلل من احتمالات تولد سلوك سلبي لدى الأطفال في سن مبكرة من خلال الاهتمام بالأطفال، كل على حدة، على أن يكونوا ضمن مجموعات صغيرة.
في سياق متصل، ذكر باحثون في جامعة إلينوي الأميركية أن تزايد عدد الأمهات العاملات في الولايات المتحدة أدى إلى ارتفاع دور الحضانة بشكل كبير في العقدين الأخيرين. وتقول الدراسة التي أجريت العام الماضي:”إن هذه الظاهرة نتجت عنها مشكلات صحية عدة عند الأطفال، منها البدانة”.
وتقول الباحثة جوهي كيم وزميلتها كارين بيترسون:”إن طرق الرعاية الحديثة أفرزت سلوكاً غذائياً مختلفاً”. وكان تركيز الباحثتين على تأثير الرعاية في تغذية الطفل ونموه.
وخلصت الدراسة إلى أن الرعاية في سن مبكرة من عمر الطفل لها تأثير مباشر في سلوكه الغذائي ووزنه، وذلك بعد فحص بيانات شملت عينة كافية من الرضّع في الولايات المتحدة. وقالت كيم إن «طرق الرعاية غير الأبوية، بما في ذلك دور الحضانة والاستعانة بالأقارب ومؤسسات توفير الرعاية، تزيد من احتمالات اختلال وزن الطفل بسبب أنماط التغذية غير الصحية».
وأشارت الباحثتان على موقع جامعة الينوي إلى أن ظاهرة زيادة الوزن، والوزن المفرط كانت أقل حدة بكثير عند الرضع الذين تلقوا رعاية أمهاتهم وآبائهم. وقالت كيم:”إن الأطفال في بعض دور الحضانة يبدؤون في تناول الأطعمة الصلبة قبل الشهر الرابع، وهذا شيء غير مقبول من الناحية العلمية، لأن الطفل في هذه السن لا يستطيع هضم هذا النوع من الطعام. وربما يكون ذلك من الأسباب الرئيسة في زيادة أوزان الأطفال”.
وتضيف الدراسة أن الرضع الذين يحصلون على غذاء مناسب في بداية حياتهم، وينالون قدراً كافياً من حليب الأم، تكون أجسامهم أكثر توازناً ونمواً طبيعياً، وهذا لا يتم إلا في جو عائلي وحضور شبه دائم للأم في المنزل. ووجدت الدراسة أن الرضع الذين يتلقون الرعاية من أقاربهم زادت أوزانهم على المعدل بنحو 160 غراماً.
وأكد باحثون أن عمل الأمهات يؤثر بشكل مباشر في تربية الأطفال، خصوصاً الرضع، إذ تضطر الأم العاملة إلى مضاعفة جهدها في تربية الأطفال، خصوصاً في تلك الفترة الحساسة. ويكون البديل إما دور الحضانة أو رياض الأطفال، أو أن تقوم بإرسال الطفل إلى أحد أقاربها أو جاراتها، مما يؤثر في نشأته، وبالتالي في التربية، وقد يؤدي إرسال الأطفال إلى الحضانات إلى تنمية عزلة الطفل عن المجتمع. ويشترط الخبراء ضرورة أن تكون دور الرعاية مؤهلة بكوادر متخصصة في التعامل مع الأطفال.
يرى مختصون في التربية أن ترك الأطفال دون سن الثالثة في الحضانات عوضاً عن رعاية الأبوين يعرّضهم لأمراض نفسية على المدى البعيد، تظهر عند البلوغ.
وأشارت أخصائية الأطفال، الألمانية جيرتراود شليسنجر كيبة إلى أنه تم بالفعل رصد العديد من هذه الأمراض، الممتدة بين مشاعر الحرمان والخوف والكآبة والشعور بالنقص وغيرها. وأكدت أن أمراض البلوغ النفسية المتأخرة، الناجمة عن ترك الأطفال لتربية الغير «تشبه في أعراضها الأمراض التي أصابت جيل الأطفال الذي شهد الحرب العالمية الثانية».
وقالت الباحثة:”إن ملايين الأطفال الألمان إبان الحرب العالمية الثانية تركوا في الحضانات ولدى الأقارب مثل الجد والجدة، من دون أن يستطيعوا إدراك الأسباب”.
وأضافت:”نحن متأكدون أن ترك رعاية الأطفال للغير، سواء للأقارب أو لدور الحضانة، يحدث شرخاً بعيد المدى في نفسية الطفل”.
وأشارت دراسة ألمانية إلى أن تخلي الوالدين عن تربية الأطفال في عمر مبكر؛ يؤدي إلى مخاوف مرضية تظهر عند البلوغ.
ومعروف أن نظام ألمانيا الشرقية السابقة كان يوفر دور الحضانة للأطفال قبل بلوغهم عمر السنة، بحسب مبدأ توفير مواقع العمل للجميع. وحذر الأطباء الألمان من أن الأطفال لا يستوعبون تركهم من قبل الوالدين بسهولة، ويترك ذلك تأثيرات نفسية عليهم. ويمثل الفقدان المفاجئ للوالدين بالنسبة للطفل تهديداً مباشرًا وخطراً لشعوره بالأمن والاسـتقرار.