صحة الاسرة
أطفالنا والحاجة إلى القبول
د.مصطفى ابوسعد
أن يستشعر الطفل أنه مقبول لدى والديه فتلك حاجة نفسية توفر للطفل نمواً متوازناً وتربية صالحة لبناء الثقة بالنفس… وتمنحه الطمأنينة وتدفعه إلى الأمام لبناء معالم شخصيته، وتشكل في الوقت نفسه حصانة ضد الاضطرابات النفسية والسلوكية لديه.
قبول الابن ينبغي ألا يكون مرتبطاً بإنجازات معينة. فنحن نقبله لأنه ابننا ولأنه ولد صغير وإنسان ينبغي أن يحترم وتصان كرامته بعيداً عن أي ظروف أخرى سواء أكانت إنجازات أم إخفاقات.
لو علّمنا الولد أننا نقبله إذا أحسن ونرفضه إذا أخطأ، فإننا نشكل لديه حيرة وتذبذباً بين احترام واحتقار وقبول ورفض.
ويؤدِّي هذا التذبذب إلى ضعف في مكونات شخصيته وسرعة استجابته للمؤثرات الخارجية و انقياده للآخرين بلا حدود ولا مقاييس.
وينتج عنه كذلك انهيار حاجات الطفل الأخرى, و منها حاجته إلى المحبة فيرسخ في ذهنه أنَّ رفضه يعني كراهيته وبغضه. و لا يتعلّم الفصل بين السلوك والذات.
إن الإنسان الذي يحترم نفسه هو الإنسان الذي يحسن السلوك والتصرف، والذي يفتقد احترام ذاته لا يمكنه إلا أن يفسد مع نفسه ومع غيره.
ولذلك كان من أهداف الإسلام منذ بداية انتشاره بث معاني العزة و الرفعة لدى المسلمين: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) (و لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون).
• بيئة الأسرة و سلوكها العملي هي التي تغرس في الطفل معاني القبول:
إن قبول الولد يعني تهيئته للانخراط في حياة إنسانية واجتماعية فيتعلم منذ نعومة أظفاره كيف يقومُ هوَ بتقبّل الآخرين. فحين يسود في الأسرة الاطمئنان والقبول ينتشر الاحترام والتقدير والسكن والمودة والمحبة. و إذا انعدم القبول بين أفراد الأسرة الواحدة ازداد التباعد والتوتر والشحناء فيما بينهم، وانتشرت سلوكيات الأنانية وحب الذات على حساب سلوكيات التعاون والإخاء. و لذلك يجب على الآباء والأمهات والمربين الحرص على ما يلي:
1) الابتعاد عن السلوكيات الأبوية التي تشعر الولد بالافتقار إلى القبول.
2) الحرص على ما يشجع إشباع حاجة القبول لديه.
• سلوكيات الوالدين وتصور الطفل:
سلوكيات الوالدين تعكس بشكل كبير تصور الطفل عن ذاته وموقعه لدى الآخرين.
من المهم بالتأكيد أن يكون ابني مقبولاً لديّ ولكن الأهم هوَ النجاح في جعله يشعر بأنه مقبول.
و هذه أربع سلوكيات تربوية غير صحيحة تحرم الطفل من القبول:
1) لا تنتقد الطفل باستمرار:
انتقاد الطفل المستمر والتربص به عندَ كل حركة تصدر منه أو كلمة يتفوه بها تولّد لديه إحساساً بأنه مرفوض وتصيبه بالإحباط وخيبة الأمل وتنزع منه الثقة بقدراته وإمكاناته، وقد ينتج عن هذا الوضع خوف دائم من القيام بأي عمل أمام الآخرين وقتل لروح المبادرة التلقائية. فليكن حوارنا إيجابياً مع الأبناء وليتخذ الانتقاد طابع التوجيه الطيب بالتي هي أحسن و ليكن في حالة الضرورة متى رأينا تكراراً و إصراراً من الطفل.
2) لا تلزم الطفل أكثر مما يستطيع:
جميل أن يكون الآباء طموحين ويعملوا على بث الطموح لدى أبنائهم، ويشجعون الخطوات المؤدية لتحقيق ما لم يحققه الآباء. و لكن ينبغي ألاّ يمارس هذا الطموح ممارسةً إجباريةً بشكل يلغي ذات الطفل وشخصيته. و أحياناً كثيرة يتطلب طموح الوالدين من الطفل جهداً أكثر مما يستطيع و مشقَّةً لا تراعي مراحل نموه الجسمي والنفسي. و كلما شعر الطفل بعدم قدرته على تحقيق رغبات الوالدين وطموحهما أحسّ بعدم قبوله.
3) لا تقارن الطفل بغيره:
المقارنة بين شخصين – علمياً ومنطقياً – سلوك غير صحيح، وغير مقبول لأنهما عالمان مختلفان. و لذلك تتم المقارنة الصحيحة بين سلوكين و ليس بين شخصين. و في المجال التربوي المقارنة بين طفلين لها من السلبيات أكثر من الإيجابيات، حيث تصيب المقارن الضعيف بالإحباط وتولّد لديه شعوراً بالمرفوضية.
4) لا تفرط في الحماية و الدلال:
إحاطة الطفل بحماية زائدة تشل قدراته ولا تسمح له بتنميتها ولا باكتساب مهارات جديدة في الحياة… ولذلك لا نبالغ في اعتقادنا: (الإقلال من حماية الولد أقل خطراً من الإفراط فيها )
• كيف تنمي حاجة القبول لدى ابنك؟
القبول حاجة نفسية لدى الطفل _وإشباعها ينمي الصفات الإيجابية لديه ويبعده عن الكثير من السلوكيات السلبية التي يمكن أن تتولد من افتقار الطفل للشعور بالقبول. و إذا كانت الوقاية من هذه السلوكيات السلبية تقتضي ابتعاد الآباء والأمهات عن مجموعة من التصرفات سبق بيانها. فإنَّ بناء القبول لدى الطفل وإشباع هذه الحاجة في نفسه تتطلب من الوالدين مواقف تربوية معينة.
1 – امنح الطفل استقلاليته:
بعد تجاوز السنتين يبدأ الطفل بالنمو نحو الاستقلالية والاعتماد على الذات، ويسلك في سبيل ذلك طرقاً متعددة منها العناد بكل أشكاله، الإيجابية والسلبية. وكلما شعر الطفل باستقلاليته و رأى تشجيع محيطه كلما شعر بالقبول.
2 – اعترف بالطفل باستقلالية الطفل من خلال معاملتك:
حينما نختار للطفل اسماً فإننا نقوم بعملية التمييز والاعتراف به كياناً مستقلاً لا رقماً داخل الأسرة. و لذلك ينبغي تحديد المخاطب دائماً بين الأطفال والتمييز بينهم اعترافاً باستقلاليتهم. و من الخطأ معاملة الأطفال جميعاً بالأسلوب نفسه و مخاطبتهم بالكلام نفسه وإخضاعهم للتربية نفسها، فلكلًّ كيانه الخاص ولكل شعوره وموقعه. ينبغي أن ينشأ الأطفال على هذا الشعور وهذا النمط التربوي. فلو أنجز أحد الأبناء إنجازاً هائلاً احتاج منّا إلى تقدير واحتفال وتخصيص هدية له على ذلك، فهل ينبغي أن نهدي الجميع ونقدر الجميع وكأنهم كيان واحد؟!.
3 – امدح إنجازاته:
قدرات الطفل مهما صغرت تجعله يحقق إنجازات تتناسب و إمكاناته الذاتية ومراحل نموه. فما نراه _نحن الكبار_ صغيراً هو في عرف الطفل إنجازٌ. وكلما اعترفنا للطفل بإنجازاته كلما شعر بالرضا عن نفسه واكتسب ثقة في قدراته واستشعر فعلاً أنه مقبول، فامنح ابنك فرصاً لينجز ولا تحطه بسياج من الحماية الزائدة والدلال.
4 – عبر له عن المحبة:
ليس المهم أن نحب أبناءنا ولكن المهم أن نعبر لهم عن هذه المحبة بالكلمة والسلوك. وشعور الطفل أنه محبوب يشبع لديه حاجة القبول.
5 – استمتع بتربية ابنك:
التربية متعة و تعامل مع زينة الحياة الدنيا، بَرمجْ نفسك على الاستمتاع بالتعامل مع أبنائك. لأنَّك عندما تبدي تعبك من مشقة التربية فإنّ ذلك يبدو للطفل و كأنه استياءٌ من وجوده و تعبيرٌ عن عدمِ قبوله.
6 – تقبَّل اقتراحات الولد:
عندما يحاول الابن الإدلاء برأيه _اختباراً لقدراته ودفاعاً عن استقلاليته_ فاسمع رأيه واهتم باقتراحاته مهما كانت _في نظرك_ تافهة فإن الإنصات والاهتمام بما يقوله يشعره بقبولك له وينمي لديه مهارات كثيرة و يقوِّي اعتزازه بنفسه.
7 – تقبل صداقات الولد:
إن بناء الطفل علاقات مع أقرانه حاجة اجتماعية (الحاجة إلى الانتماء) لا يمكنه الاستغناء عنها. فابحث له عن الصحبة الصالحة، وأبد ارتياحك وقبولك لأصدقائه، وافتح بيتك لزيارتهم. إن في هذا السلوك الأبوي تشجيعاً للطفل على بناء علاقات سليمة تحت متابعة الأسرة، وفي الوقت نفسه تقوية لقدرته على توطيد العلاقات واكتساب مهارات التعامل مع الآخرين. إن انتقاد الوالد أو الوالدة لأصدقاء الطفل باستمرار وبدون مبررات مقنعة لديه تسبب له أذى نفسياً وإحباطاً، و التعبير عن تقدير أصدقائه يعزز لديه شعوراً ذاتياً بالقبول.
8 – شجعه ولا تحبطه:
الطفل يتعثر أحياناً وهذه سنة الله في خلقه. و حين يسقط الطفل يحتاج لمن يساعده على النهوض، لا لمن يعنفه ويحبطه بالتعليق السلبي و التنقيص. لا تظهر نفسك وكأنك كامل. فإن كان الطفل يجد صعوبة في مادة ما، فلا تحبطه بأنك لما كنت في سنّه كنت متفوقاً. بل قل له: أنا أيضاً كنت أجد صعوبة، لكنني تقويت وتجاوزتها بالمثابرة والجد. و إن كان ولدك يخاف من حيوان أو ظلام فهدئ من روعه وأخبره أنك أنت أيضاً كنت كذلك ثمَّ تغلبت على المخاوف.
9 – تعلم فن الإصغاء للولد:
الإصغاء والإنصات للولد تعبير عن قبولك له واهتمامك به. والتواصل الذي يتم عبر الحوار والإنصات يحقق شعوراً لدى الطفل بقدرته على إثارة انتباهك و يؤكِّد إحساسه بالقبول. لذلك خصص وقتاً يوميا للإنصات للطفل ولو لبضع دقائق.. وسوف يتعلم الابن الكثير ويبني العديد من المهارات، و سوف يتعلم الأبوان من الطفل أيضاً و يفهمانه أكثر و يكونان أقدر الناس على توجيهه وتعديل سلوكه.
10 – عامل ولدك كما تحب أن تعامل:
كم يرتاح الكبار لو سمعوا كلمات الشكر والاعتذار ومجاملات الحديث من مثل (عفواً) (لو سمحت) (شكراً) و ما أجمل أن يتعلم الآباء أن يحاوروا أبناءهم بمثل هذه العبارات الودية الجميلة. سوف تجعل منهم بحق آباء إيجابيين وسوف يُنشئون_ بإذن الله_ أبناء أكثر إيجابية.
إن الأطفال أكثر حاجة من الكبار إلى معاملة الود ولطف الخطاب. وهي من أفضل الطرق للتعبير لهم عن القبول وتعليمهم كذلك كيف يحترمون غيرهم.