صحة الاسرةمقالات وبحوث

التربية بالتسول!

كثيراً ما تبدو بعض سلوكيات من حولنا مستهجنة، وغير منطقية في مفاهيمنا المجتمعية العادية، بل قد نصل لا لاستهجانها فحسب، بل للتطاول على من يسلكها بأي شكل كان؛ رغبة منا أن نُشعره بخطأ وخطر سلوكه؛ لاعتقادنا أن سلوكه لا يؤثر عليه فحسب، بل يؤثر على المجتمع وأفراده بطريقة أو بأخرى.

فمثلاً: عندما يقود السيارة من لا يتقن قيادتها، ولا يمتلك التصريح بذلك، بل يقودها من باب التقليد في القيادة. فهو حتماً شاهد أحد أفراد أسرته أو أصدقائه كيف يقودها، وسأله عن بعض الأمور اليسيرة. واعتقد بعد ذلك أنه قد وصل لمرحلة من المهارة في القيادة تؤهله ليسير في الطرقات كيف يشاء، دون إدراك منه أنه يُعرض حياته وحياة الكثيرين للخطر. ففي منظورنا أن هذا القائد المتهور لابد من إيقافه ومحاسبته، خاصة إن تأذى من قيادته البعض.

وكذلك الحال لو قادها من يعرف قيادتها. لكن قادها بطريقته هو، لا بالطريقة الصحيحة كأن يسرع بها سرعة فائقة، أو يخالف أنظمة السلامة في الطرق، ولا يُلقي لها بالاً، على اعتبار أنه قد وصل من المهارة لحد يتجاوز به أي خطر. مع السيطرة التامة على المركبة.

وذلك مطابق تماماً لبعض واقعنا. لكن هذه المرة في البيوت لا في الطرقات ليكون الجهل أو سوء الإدارة مُنطلق جديد لا لمشكلة يمكن أن تحدث. بل لمشكلات يعيشها الأبناء كل يوم ويعيشها المجتمع بكل لحظة يتخرج بها جيل من تحت هؤلاء الآباء؛ ليبدؤوا مشوارهم في المجتمع؛ لكون جهلهم وسوء قيادتهم لا يؤثر سلبا عليهم وعلى بيوتهم فحسب، بل على جيل كامل نشأ بين أيديهم. فالمجتمع يواجه الكثير ممن يؤهل نفسه للقيادة الابوية دون أن يكون مؤهلاً لذلك. ولا نحاسبهم، ولا نلتفت إليهم، رغم انزعاجنا الشديد من سلوكياتهم التي تمدنا بمخرجات سلوكية، تظهر على أبنائهم من خلال التعامل معهم، وتفاعلهم السلبي على المستوى الاجتماعي والسلوكي. على اعتبار أن ما يقومون به هو حرية شخصية في تربية أبنائهم!

وذلك نجده في بيوت كثيرة، يتولى فيها الوالدان قيادة تربية أبنائهم، لمجرد أنهما قد شاهدا الكثير من الآباء والأمهات من قبل، كيف يتعاملون مع أبنائهم، وكيف يديرون المشكلات السلوكية التي يقع أبناءهم بها. وقد يضيفان أنهما مازالا يواصلان عملية المشاهدة والتعلم إلى الآن. فكلما سمعت الأم من جارتها، كيف عاقبت طفلها حيال سلوك ما أخذت منهجها التربوي كمُسلمة تربوية ناجحة وبدأت بالتطبيق. وكذلك الأب قد يظن أنه بما شاهده من أساليب تعامل من الأصدقاء مع أبنائهم، أو بسؤاله لأحد المقربين عن الطريقة المثلى التي اتبعها مع ولده لتصحيح مسار سلوكه، فإنه بذلك قد أصبح أباً مربياً بدرجة تستحق التقدير.

والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا. هل أصبحت التربية في زماننا بالتسول؟

 بمعنى أن يستجدي الوالدان من هنا وهناك أساليب وطرائق من خبرة من أتقن أو أخفق في أسلوبه التربوي، ليصلا لمنهج تربوي يسيران عليه، ويطمئنان له. دون أن يكلفا نفسيهما البحث في الاتجاه الصحيح والقراءة المتأنية، وسؤال أهل الاختصاص في أمور التربية.

والحقيقة أن تعديل سلوك  الأبناءلن يكون مجدياً إلا بتعديل الأساليب التربوية للآباء أولاً.

فالتربية الناضجة تحتاج لنضج والدي، وينتج هذا النضج من التعلم والتدريب للوصول لمرحلة التأهيل للقيادة الأسرية والتربوية السليمة. دون استجداء للمعلومات والخبرات مبهمة المصدر وغامضة النتائج.

لذلك كان على الوالدين بشكل عام: تصحيح مصادرهما التربوية، لتكون مثمرة بشكل أفضل، وكذلك نطالب المقبلين على الزواج بشكل خاص: تثقيف أنفسهم لهذه المرحلة؛ لأنها بداية حياتهما الزوجية، ونقطة الوصول السليمة، تبدأ من البداية الصحيحة، ولأن في استقرار حياتهما استقرار لهما. واستقرار الأسرة أهم جانب من جوانب التربية السليمة. ومن ثم يبدأ كلا الزوجين تأهيل نفسهما لاستقبال الأطفال، وتعلم احتياجات كل مرحلة من مراحل نمو أبنائهم، لإشباعها دون إفراط أو تفريط. فمهما حمل الأبوان في ذاكرتهما من خبرات وأساليب والديهما التربوية الناجحة -إن افترضنا ذلك ـ فإنهما بحاجة لتحديث تلك الخبرات، وإضافة بعض المعلومات التي تتناسب مع التحديات التربوية الحديثة لأبنائهما. ليكونا على قدر كاف لتحصين أبنائهم تربوياً بالأساليب العلمية الصحيحة، أو على الأقل علاج سلوكياتهم بشكل سليم بعد ظهورها.

فالتربية جهد مستمر، لعطاء ممتد، تجاه أمانة نُحاسب عليها في الدنيا قبل الآخرة.

اترك تعليقاً

إغلاق