إكساب الطفل عادات غذائية صحية منذ الصغر أصبح من العوامل الحاسمة التي تشكل توازنا ايجابيا في شخصيته و في علاقته مع الأسرة و المجتمع. فبين إلحاح الآباء و إغراء الإعلانات يصبح من الصعب خلق نموذج غذائي صحي قد يستهوي الطفل و يجعله واعيا بقيمة كل عنصر مكون للوجبة الغذائية السليمة.
يتحمل معظم الآباء مسؤولية فشل النظام الغذائي الخاص بأبنائهم، فمنهم من يرى أن حرمانهم من متعة أكل ما يريدون هو تقصير في تربيتهم و البعض الآخر لم يعد قادرا على مجاراة رغباتهم التي غالبا ما تكون من قبيل الوجبات السريعة و الحلوى و المشروبات الغازية… و آخرون يعتبرون الوجبات الفخمة جزءا من القيمة المضافة التي تعكس الطبقة الاجتماعية المرموقة التي ينتمي إليها . بين هذا و ذاك ، يفتقد الطفل مفهوم القيمة الأساسية للعنصر الغذائي و أن الاستمتاع بالأكل يمكن أن يكون بتمرات و كأس حليب .
هناك نصائح كثيرة يمكن تقديمها للآباء أو المربيات في هذا الصدد ،قد تبدو صعبة التطبيق للبعض لكن إعادة المحاولة مرات عديدة قد تعطي نتائج جيدة خصوصا إذا ما استجاب الأطفال تدريجيا إلى هذه الطرق وهي :
1- نظام الأضواء الثلاثة
يجب أن يتعود الطفل على مفهوم الوجبة الصحية و تصنيف الأغذية أو المواد الغذائية حسب أهميتها لجسم الإنسان و مكوناتها وتأثير عدد سعراتها الحرارية على النمو الطبيعي لجسمه. يمكن لكم ربط كل عنصر أو منتوج غذائي بأحد الألوان الثلاثة وتنبيه الطفل حيال ذلك كلما سنحت الفرصة :
– اللون الأخضر للأغذية الصحية و الوجبات الكاملة المفيدة للجسم والتي يمكن للطفل أن يستمتع بها كيفما أراد .
– اللون الأصفر بالنسبة للوجبات غير المغذية و التي يستحسن استهلاكها باعتدال .
– اللون الأحمر خاص بالوجبات التي يفضل تجنبها لأنها تِؤثر سلبا على جسم الإنسان .
2- وجبة قوس قزح
طريقة مسلية و مفيدة جدا للأطفال الصغار، ففي وجبة العشاء مثلا عليهم تناول أنواع من الخضراوات و الفواكه ألوانها تشكل قوس قزح إلى حد ما. حاول أن تجعل الطفل يعتبر ذلك تحديا يوميا أو على الأقل بضعة أيام في الأسبوع. على سبيل المثال يمكن لهذه الوجبة أن تكون مفيدة لصحة الطفل مع عامل المرح الذي تضيفه :
– الأحمر : قطعة طماطم أو حبات فراولة …
– البرتقالي : قليل من القرع أو حبة برتقال …
– الأصفر : قطعة جبن أو مح البيض (صفار البيض)…
– الأخضر : قطعة خس أو قطعة تفاح أخضر …
– الأزرق و البنفسجي: يمكن هنا تنويع العناصر بين الباذنجان و الملفوف و فاكهة العنبية أو فقط قطعة ملونة من الكعك لإكمال ألوان قوس قزح …
3- إشراكهم في التسوق
المساعدة على وضع قائمة التسوق بالمواد الغذائية المراد شراؤها قد يكون أمرا ممتعا للأطفال، خذ رأيهم في ما يريدونه شريطة أن يحترموا الضوء الأخضر الخاص بالأغذية الصحية و يمكنك أن تسمح بأخرى من صنف الضوء الأصفر في بعض الحالات .
فمشاركة الأطفال في عملية التسوق قد تحدث لديهم وعيا تدريجيا بأهمية انتقاء المشتريات بعناية و اختيار المناسب منها من حيث الجودة و الثمن و تخمين الكميات الكافية لمدة معينة.
4- كيف تصنع الأغذية
من المهم أن يتعرف الطفل كيف يتم إنتاج مختلف المواد الغذائية، سواء زرع الخضراوات و الأشجار المثمرة و طريقة تحضير الجبن… سيكون مفيدا له زيارة أحد المزارع القريبة لرؤية ذلك عن كثب . لا تنسى كذلك أن شبكة الإنترنت مليئة بمقاطع الفيديو التي توضح مراحل إنتاج بعض المواد الغذائية، استغل ذلك ليرى بعض المضرة منها و التي قد تغيره نظرته و حبه لها خصوصا تلك المتعلقة بالوجبات السريعة و تلك التي يستعمل فيها الكثير من المواد الحافظة …
يمكنك أيضا أن تعلم طفلك غرس بعض الخضراوات أو النباتات النافعة حتى يحب كل ماهو طبيعي و يتعلم كيف يحترم البيئة .
5- طبخ الطعام بمعية الأطفال
معظم الأمهات يبدين صرامة في التعامل مع أدوات المطبخ و يحتكرن عملية تحضير الطعام. لا بأس في ترك الأطفال يستمتعون مرة في الأسبوع بتحضير وصفة بسيطة من قبيل : بيض مقلي مع الجبن، سلطة خضراوات أو فواكه، كعكة بسيطة … هذه الطريقة ناجعة جدا في حثهم على تناول وجباتهم خصوصا ما إذا قاموا بتحضيرها بأنفسهم.
نرى اليوم العديد من رياض الأطفال و المدارس الابتدائية خصوصا في الدول الغربية يدرجون الطبخ كمادة أساسية في المقرر الدراسي، حيث لا يمكن إنكار أهمية ذلك باعتبار تأثيرها و دورها في تربية روح المسؤولية و تنمية الإبداع لدى الطفل.
قد تبدو هذه النصائح بعيدة عن الواقع اليومي في البلدان العربية، لكن مع الأسف يحتاج منا الأمر وقفة و نظرة تأمل عميقة لما يجب تغييره من عادات و سلوكات مرتبطة باستهلاك الأطعمة و نوعية الأغذية التي يتناولها أطفالنا. المشكل لا يرتبط بالمستوى المعيشي للأسرة بقدر ما يتعلق بمستوى وعينا بضرورة تنظيم حياتنا و اختيار كل ماهو صحي لأبنائنا .