كانت هناك اعتقادات خاطئة حول الطب النفسي أو أن المرض النفسي لا يتطلب كثيرا أن يهب الفرد الى الطبيب وإذا حقا ذهب إلى طبيب ؛ فمعنى ذلك أن هناك نوعا من الجنون قد أصاب هذا الشخص ولذلك لا يعتقد بعض الناس في الطب النفسي بل إن من يشعر بمرض نفسي يخفى ذلك عن كل من حوله خشية أن يظهرونه بالمجنون أو المختل ذهنيا.ولكن مع تطور الحياة وانتشار العلم واتساع الثقافة من مصادرها العديدة بدأ الناس يدركون أهمية الطب النفسي في حياتهم حتى أن مستشفى الأمراض العقلية التي كان يقال عنها مستشفى المجانين تحول اسمها الي مستشفى الطب النفسي.ورغم ذلك هناك من يتساءل عن طبيعة الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان مع أزمات العصر ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والتي صارت مزمنة وشائعه جدا.
ومن الصور المشوهة التي قدمت في الأفلام والدراما العربية شخصية الطبيب النفسي فيظهر وكأنه غير مستقر نفسيًا. ومنها أيضًا طريقة العلاج النفسي وتنفيذها والمثل الواضح على هذا هو العلاج بالاختلاج الكهربائي والذي يصور على أنه نوع من العقاب ويعرض بطريقة تثير اشمئزاز المشاهد، فنجد المريض يصرخ ويتألم وكأن الذي يحدث هو تعذيب للمريض وليس علاجًا له، وإظهار الممرض النفسي بأنه شخص قاسٍ عديم الرحمة، عابس الوجه، عنيفًا في حديثه وأسلوبه وتعامله.وتركيز وسائل الإعلام على عرض المرضى النفسيين ذوي الحالات المزمنة وغير القابلة للشفاء وهذه الأمراض تحدث بنسبة قليلة مقارنة بالأمراض النفسية الأخرى والتي تعالج ويشفى منها تمامًا. ولكي نتخلص من موروث سنوات طويلة من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة عن الطب النفسي، في حاجة إلى الوعي والثقافة وتضافر وسائل الاعلام للتوعية الصحية .
يقول د. علي السيد أحمد أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن العوارض النفسية هي تفاعلاته مع الحياةاليومية، ومستمر لفترة قصيرة، لا تؤثر على كفاءة الفرد وإنتاجيته، وهي جزء من طبيعة الإنسان، أما الأمراض النفسية فأمرها مختلف، ولا تقتصر على ما يسميه الناس بـ”الجنون”، لأن معنى المرض النفسي واسع يمتد في أبسط أشكاله من اضطراب التوافق البسيط إلى أشد أشكاله، متمثلاً في مرض الفصام الشديد الاضطراب.
كما أنه ليس شرطًا أن تستخدم العقاقير في علاج ما يسميه المعالجون النفسيون الأمراض النفسية، ومن ثم فإنه لتشخيص المرض النفسي يجب أن تحدث عند المريض أعراض غريبة، أو غير مألوفة كالحزن والضيق، وتستمر لمدة طويلة وتكون الأعراض واضحة.
ويقسم د.على السيد الأمراض النفسية إلى نوعين، الأول: الأمراض التي تؤثر على عقل الفرد، فيفقد تبصره لمن حوله، وتضعف إمكاناته وكفاءته الإنتاجية وقدرته على التحكم في الأمور، والثاني: أمراض لا تؤثر على العقل ولا على الكفاءة والإنتاجية لكنها تنقص من نشاط الفرد الشيء، كالحزن الشديد المستمر لفترة طويلة. والمرض النفسي شأنــه شأن أي مريض يصيب الإنسان، ويتعرض له التقي أو الصالح وغيره. الأدوية والمخدرات.
المرض العضوى
د. سمير إبراهيم استشاري الأمراض النفسية بجامعة القاهرة قال: إن العلاجات النفسية تختلف عن غيرها بأنها تحتاج إلى عدة أسابيع حتى يبدأ مفعولها، وقد يستمر العلاج لفترات قد تمتد إلى أشهر أو أكثر ويعتمد التحسن على مدى استمرارية المريض على العلاج. وللارتقاء بالمستوى الصحي والنفسي للفرد داخل المجتمع العربي عليه أن يتخلص من هذه المفاهيم الخاطئة وأن يبني قناعاته على أسس علمية ثابتة وليس على الخرافات والإشاعات.هذه الأفكار الخاطئة أوجدت الاتجاهات السلبية للمرض النفسي من قبل العائلة في حالة إصابة أحد أفرادها به، فإذا أجرينا مقارنة متعلقة بموقف الأهل في حالة الإصابة بالمرض العضوي والإصابة بمرض نفسي نجد أن الأهل في الحالة الأولى يستدعون الطبيب بشكل فوري، وينفذون تعليماته بدقة، ويعطونه ثقة كبيرة، ويقبلون بتشخيصه، ويكون المرض مناسبة اجتماعية للزيارات، وتسود الأجواء مشاعر التعاطف مع المريض ورغبة في متابعة علاجه حتى الشفاء التام.
ويضيف : في حالة المرض النفسي نجد الأهل يترددون كثيرًا قبل مراجعة الطبيب، ويحاولون التهرب من تنفيذ تعليماته، ويفضلون مراجعة أكثر من طبيب، ويحيطون التشخيص بالتشكيك، ويحملون عدائية غير ظاهرة للمعالج، كما أنهم يحاولون إخفاء أنباء المرض حتى عن المقربين، ومحاولة إنهاء العلاج بأقصى سرعة ممكنة (حتى قبل أوانه)، كما يحملون مشاعر هجومية نحو المريض ويوجهون انتقادات مكثفة إليه. ومن العوامل التي ساهمت في ترسيخ المفاهيم الخاطئة وسائل الإعلام، لقد تعودنا من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية والرواية العربية تقديم صورة مشوهة عن العلاج والمعالج النفسي مما جعل هذه المفاهيم تتغلغل في وجدان الناس.
د. عبد الحليم جلال استشاري الطب النفسي يتناول الموضوع من زواية أخرى وهي الاعتقاد بأن الأدوية النفسية ما هي إلا نوع من الإدمان، فإن هذا الاعتقاد جاء من خلال عدة أمور أهمها أن صرف الأدوية النفسية كان يتم في بعض المناطق بوصفات خاصة ذات لون خاص، مختلف عن الوصفات الطبية العادية، وأن هذه الأدوية تؤدي إلى النعاس والخمول، إضافة إلى استمرار تناول الدواء لمدة طويلة، وأيضًا أن بعض المعالجين بالقرآن (الرقاة) ساهموا في تعميق هذا المفهوم، حيث يشترطون أن يتوقف المريض أولاً عن تناول الأدويـة النفسيـة لأنها- كما يزعمون- تحبس الجن في العروق، وتنشف الدماغ، وتمنع بلوغ أثر القرآن، وللأسف سكوت بعض الأطباء النفسيين عن هذا الكلام عمق المفاهيم الخاطئة.وإن كان التقدم العلمي والتنوير المعرفي ساهم في وضع حد لهذه الاقاويل .
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )