صحة الرجل
الطراز الباروكي يتغلغل في كل مجالات الفنون وخاصة فن العمارة والديكور
يكتسب الطراز الباروكي شرعيته من حضوره الواثق في الديكور وقدرته على توفير مساحة باهرة لعشّاق الغرابة وأجواء الترف، وذلك من خلال مروحة لا حدود لها من الأشكال والصياغات غير النمطية لقطع الأثاث، إضافة الى ثراء الألوان والمواد وعناصر الزينة.
فهذا التيار الزخرفي المميز ومنذ بداية ظهوره في إيطاليا في القرن السادس عشر، استطاع أن يعبر الزمن حتى عصرنا الحالي محققاً انتشاراً واسعاً في الكثير من البلدان الأوروبية والأميركية، ومتغلغلاً في كل مجالات الفنون وخاصة فن العمارة والديكور، بصياغات وتفاصيل تولّد الدهشة وتنشر في حضن المشهد مناخاً مبتكراً جميلاً في منتهى البراعة والروعة.
إن حرية الخيار والتعبير في النمط “الباروكي” للديكور منحته بعداً خاصاً وجاذبية فريدة. فهو مع تجاوزه كل القواعد والمعايير المألوفة في الزخرفة الداخلية والتنسيق، يعكس ميلاً إلى المبالغة في إبراز مظاهر الثراء والترف بصياغات تتخطّى الحدود والحواجز، ليس على مستوى الشكل فقط وإنما على مستوى الخطوط والأحجام والألوان… وبذلك فهي تزعزع الكثير من ثوابت الزخرفة الكلاسيكية التقليدية ومرجعياتها التاريخية مستحضرةً إلى المشهد تشكيلات في ذروة الطرافة والفخامة، من قطع الأثاث بخطوطها الملتوية الملبّسة والمنجّدة بأقمشة مخملية حريرية، والمرايا والثريات بأشكالها الفريدة والتحف البديعة وورق الجدران بخلفياته المشحونة بالغرابة، كذلك الزخرفة الصادمة والخادعة للبصر التي تساهم في تشكيل المشهد بألوان مستعرة من الأحمر اللافت والأصفر المضيء والأخضر والأرجواني، إضافة إلى الألوان المتناقضة من الأبيض والأسود، والبرّاقة مثل الذهبي والفضي، لتوليد أجواء غير مألوفة مليئة بالدهشة.
يتصدر الخشب الطبيعي الخام والمصقول المطلي بـ”الورنيش” المواد المستخدمة في هذا الأسلوب من الديكور، إضافة إلى الزجاج والمعدن، كذلك الجلد والسجاد والمنسوجات والأقمشة النبيلة بحبكاتها المختلفة.
تعيدنا غالبية المشاهد الداخلية “الباروكية” الطابع إلى أجواء الترف في القصور ومنازل الأثرياء في الماضي ولكن بصياغات معاصرة ومتطورة تشي بنكهة حداثية لافتة.
وعلى الرغم من تعدّد سيناريوات التصميم واتساع خيارات المبدعين وحريتهم في تنفيذ هذا النمط من الديكور الباروكي الطابع، هناك منطلقات أساسية لا بد من اعتمادها عند وضع كل خطة للتنسيق والزينة، ذلك بالاستعانة بعناصر ومبتكرات باهرة تثير الدهشة وتؤسّس لمناخ داخلي جذّاب مُشبع بنفحة من الخيال والغموض وأجواء الترف.
وتلعب الإضاءة بعناصرها المبتكرة والمتكلّفة دوراً مهماً، من ثريات ضخمة ساطعة الأنوار ومصابيح وشمعدانات غريبة الأطوار… إضافة الى قطع أثاث كبيرة وصغيرة شبيهة بالتحف يتم استخدامها بصياغات مختلفة لتوليد الجو المطلوب، مما يضفي على الأمكنة لمسة مثيرة وفريدة.
ويشكل هذا الأسلوب الباروكي تحدياً جمالياً يعصى على الوصف، إذ يتطلب تنفيذه خبرة وبراعة فائقة في المزج بين مختلف الطرز والعناصر من قطع الأثاث ومكمّلاته مع تسليط الضوء على كل ما هو أساسي في زخرفة المشهد.
غير أنَّ تحرّر الأساليب الباروكية الحديثة من المعايير التقليدية الكلاسيكية من أجل الوصول إلى أجواء الرفاهية، لا يعني في أي شكل من الأشكال التفلّت بعبثية كاملة من القواعد كافة، والمبالغة في التراكم المفتوح لكل مكونات الديكور وعناصر الزينة، والتداخل المفرط للألوان بدون عملية ضبط مُحكمة. لذا، ينبغي أن تُعدّ الخيارات سلفاً لتكوين المشهد وتحقيق التوازن بين عناصره، بأسلوب يجعل المساحة تتنفس بهجةً ورفاهيةً.
وتُشكّل الجدران في هذا النمط من الديكور مساحةً مثالية للزخرفة والزينة بكل ما يرتبط بها من أساليب تُستثمر فيها أنواع مختلفة من الأفاريز الكلاسيكية المصنوعة من الجص والمزخرفة بنقوش مذهّبة، أو الملبّسة بالجلد وورق الجدران المزيّن بنقوش ومناظر خادعة للبصر تزيد من حيوية المشهد بأسلوب يؤجّج الأحاسيس ويستوطن الحواس والذاكرة.