صحة الاسرةمقالات وبحوث

الحذر من الإجهاد النفسي

في أحيان كثيرة يجد بعض الناس أنفسهم عرضة للعديد من الآلام والأوجاع المرهقة دون سبب واضح أو مرض معين، ويرجع الأطباء هذه الآلام والأوجاع إلى أعراض نفسية كالتوتر الناتج عن الإجهاد الشديد للجسم.
د. أسامة عبد الغني أستاذ الأمراض النفسية والعصبية، أكد على أن الأبحاث تثبت أن الإجهاد النفسي يؤدي إلى أضرار كبيرة على المستوى البيولوجي، فالانفعالات مثل الخوف، والقلق، والتوتر تؤدي إلى إطلاق هرمونات الإجهاد النفسي في الجسم، بما فيها “الأدرينالين”، “والكورتيزول” اللذان يهيئان الجسم إما للهرب وإما للمواجهة، ويكون ذلك مفيداً عندما تكون بمواجهة خطر خارجي ملموس.
أما عندما تكون الضغوطات نفسية كتلك التي تتعرض لها في ظروف عمل صعبة تفرض عليك مهمات كبيرة في وقت قصير، أو عندما تباشر عملاً في شركة جديدة، أو عند التخطيط لحدث مهم في حياتك، فإن خلايا جسمك تكون غارقة في هذه الهرمونات، ومع الوقت يؤدي ذلك إلى اضطرابات في الجهاز المناعي، ويسبب تشنجات عضلية مؤلمة وآلاماً في المعدة وأعراضاً جلدية، وإن إزالة كل أسباب الإجهاد النفسي في حياتك أمر مستحيل، لكن بإمكانك اتخاذ خطوات من شأنها التخفيف من المشكلات البيولوجية الناتجة عنه، وبدلاً من الإسراع إلى تناول مسكنات الألم أو مضادات الحموضة حاول أن تشفي جسمك بتطبيق تقنيات الاسترخاء التي ينصح بها أخصائيو العلاج الطبيعي.
تأثير الإجهاد
وتنصح د.رشا الجندي أستاذ علم النفس بتخصيص وقت محدد لاستعراض أسباب قلقك، فبدلاً من جعلها تؤثر عليك في كل ساعة وكل دقيقة من وقتك، يمكنك مثلاً أن تخصص ربع ساعة مساءً تكتب خلالها لائحة بكل ما يزعجك ويقلقك، فعندما تكتب أسباب قلقك على الورقة تحرر ذهنك وتسمح له بالراحة، وإذا كانت قضايا العمل هي التي تقلقك فخصص هذا الوقت لتنظيم برنامج عملك لليوم التالي وضع سلم أولويات، وحاول أن تتوصل إلى حلول لمشكلاتك.
إن مجرد التعرف على ما يؤرقك أولى المهمات لديك في الغد يساعدك على الشعور بدرجة أكبر من الارتياح عندما تتوجه إلى سريرك، ومن المفيد أيضاً إخلاء غرفة نومك من كل الأشياء التي يمكن أن تسبب لك التوتر، فهذا يحول دون أن يخلق دماغك ارتباطات بين مكان نومك والقلق، وحاول أن تصغي إلى بعض الموسيقى الهادئة، أو قم بتمارين تنفس أو تمدد، أو اشرب كوباً من الحليب الدافئ حتى تشعر بالارتياح والرغبة في النوم، واحرص على بقاء الأضواء خافتة حتى لا يتلقى جسمك عبرها إشارة الاستيقاظ.
وأضافت : لا يمكن للمرء أن يتخيل أنه يكون أكثر عرضة للإصابة بالرشح في الفترات التي يعاني خلالها الإجهاد النفسي، لكن هذه هي الحقيقة لأن الجسم تحت تأثير الإجهاد النفسي والتوتر يعزز المزيد من مواد تدعى “سيتوكينز” المضادة للالتهابات، وعلى الرغم من أن هذه المواد تكافح الفيروسات إلا أنها تزيد من احتقانات الأنف، وقد أظهرت الأبحاث أن النزاعات عموماً، وفقدان الوظيفة، أو أي حدث آخر يثير التوتر ويدوم أكثر من شهر، يمكن أن يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالرشح.
وتضيف: إن أفضل وسيلة لمواجهة ذلك هي ممارسة الرياضة بانتظام، فالرياضة تخفض مستويات هرمونات الإجهاد النفسي، ويؤدي ذلك إلى استعادة الجهاز المناعي لأدائه الأمثل، وإلى راحة القلب والجهاز التنفسي. وتظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يواظبون على ممارسة الرياضة يكونون أقل عرضة للإصابة بالرشح حتى في الحالات التي كان الباحثون يعرضونهم فيها عمداً إلى فيروسات الرشح.
وعن مرض الأرق تقول: غالباً ما تكون شديد الانشغال أثناء النهار فلا تشعر بالقلق، ولكن ما إن تطفئ أنوار غرفتك مساء حتى يبدأ ذهنك باستعراض كل مشكلاتك خاصة تلك التي تتعلق بالعمل، وكانت دراسة سويدية حديثة، قد أظهرت أن عدم القدرة على التوقف عن التفكير في العمل أثناء فترات الراحة هي أهم العوامل التي تؤدي إلى اضطرابات النوم، وأن الإجهاد النفسي لا يؤرقك ليلاً فحسب بل إن افتقارك إلى النوم يؤثر سلباً على أدائك في اليوم التالي ويؤدي إلى المزيد من الإجهاد النفسي.
توتر العضلات
ويقول د. خالد عمارة أستاذ جراحة العظام، إن الكثير من الناس يطبقون أسنانهم بإحكام زائد، ويحدبون ظهورهم تحت تأثير الإجهاد النفسي، وينتج عن ذلك تقلصات وتشنجات في عضلات الظهر والرقبة، فحاول أن تتبع طريقة إراحة العضلات تدريجياً قبل أن يصبح الألم حاداً، فهذه التقنية لا تؤدي فقط إلى التخلص من التوتر المختبئ في العضلات ؛ بل إنها تبعث فيك الطاقة والحيوية. وابدأ ذلك عن طريق شد عضلات قدمك اليمنى مدة 8 ثوانٍ ثم دعها لتسترخي مدة 15 ثانية، وركز جيداً على شعور الاسترخاء، بعد ذلك قم بشد عضلات ربلة ساقك اليمنى وقدمك، ثم دعها لتسترخي بالطريقة نفسها، وكرر العملية في ساقك اليسرى ثم في عضلات الذراعين والوجه والرقبة والكتفين والصدر، وأخيراً البطن، نفذ هذه التمارين مرتين يومياً عندما تشعر بالاضطراب والتوتر.
ويضيف د. عمارة : إن الإجهاد النفسي يؤدي إلى تقليص وتوتر العضلات في الرأس والرقبة، وكذلك فإن القلق يؤدي إلى التنفس السطحي الذي يمكن أن يحول دون التخلص الكامل من ثاني أوكسيد الكربون أثناء الزفير، وتشير الدراسات إلى أن الجسم ينتج نسبة أقل من كابحات الألم عندما تكون متوتراً ومجهداً نفسياً، وهذا يعني أنك تشعر بالألم بدرجة أكبر مما لو كنت مرتاحاً نفسياً.
وينصح بالتنفس بعمق وبشكل متواتر ومنتظم، فهذا يمكن أن يساعد على تخفيف التشنجات العضلية، ويريح الأوعية الدموية، ويوفر كمية كبيرة من الأوكسجين لخلايا الجسم.
وهو يعلم مرضاه القيام بهذا التمرين: خذ نفساً وأنت تعد من 1إلى 6، احبس نفسك وأنت تعد من 1إلى 3، ثم أخرج النفس وأنت تعد من 1 إلى 6، ثم عد من 1إلى 3 قبل أن تستنشق من جديد. (احرص على مرور ثانية بين كل عدد وآخر)، كرر حركة التنفس كاملة 9 مرات على الأقل، وحاول أن تقوم بذلك مرة كل ساعة أو ساعتين، قد يتطلب الأمر بعض التركيز في البداية، لكنه سيتحول إلى أمر عادي مع الوقت، والواقع أن تمارين التنفس تنشط الجسم وتخفف الآلام وتحول الانتباه عن المشكلات التي تسبب الإجهاد النفسي.
وعن علاقة الإجهاد النفسي بالاضطرابات الجلدية يقول د. حامد عبد الله أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم، إن الإجهاد النفسي يحث الجسم على إنتاج مواد تسبب الانتفاخات والحكة، مما يفاقم صعوبة حالات مثل “الأكزيما”، و”الصدفية”،كذلك فقد أظهرت دراسة ألمانية حديثة أن الإجهاد النفسي يسبب تغيرات هرمونية مما يزيد الإفرازات عند بصيلات الشعر، ويؤدي ذلك إلى انسداد المسامات وتشكل الرءوس السوداء والبثور.
وينصح بأخذ “عطلة ذهنية”، وإطلاق العنان للخيال، فالتطور الخيالي يقطع الطريق أمام الإجهاد النفسي، ويخفف بالتالي من إفراز الجسم المواد المذكورة، وكلما شعرت بالتوتر والإرهاق أغمض عينيك وتخيل نفسك في واحد من الأمكنة المريحة التي تفضلها، فكر مدة 5 أو 10 دقائق في هذا المكان، وحاول أن تستحضر تفاصيل تنعش كل إحساساتك، مثال على ذلك، إذا تخيلت نفسك مستلقياً على الشاطئ ركز على صوت الأمواج المرتطمة على الرمال وعلى منظر الماء الأزرق العميق، وعلى الإحساس بالرمال بين أصابع قدميك وعلى رائحة البحر وحتى مستحضر الوقاية من الشمس.

اترك تعليقاً

إغلاق