صحة الرجل
قلوب معاقة
عنوان غريب؟ لكنه حقيقي.. ففي مشوار حياتي التقيت بمثل هذه القلوب، وتعاملت معها وعانيت من تشوهها كثيرا، لم تكن معاناتي إلا شفقة على هذه القلوب، فالقلب المعاق يدرك تشوهه، لكنه أبدا لا يمكنه الإصلاح، بل على العكس كلما دارت به الأيام تمادى في إضافة تفصيلات بشعة لصورة هي من الأصل مشوهة.
نحن نولد بقلوب نظيفة براقة ونقية لا تحمل أي إعاقة، يخلقها الله في صدورنا لتمارس عملها في المحبة والتعاطف، في الشعور بالآخر، وتأخذنا الحياة بكل تفاصيلها، ندور معها في دروب بعضها سلس وبعضها وعر وكثير منها قفر.
لهذا نجد البشر يختلفون في تعاملهم مع هذه الأحداث التي تمر بحياتهم ويمرون بها، فالبعض يجاهد ويستبسل ويدافع عن نقاء منطقة رائعة تسكن جانبه الأيسر، وهي قلبه يحمله كقطعة ماس نادرة يخاف عليها أن تدنسها الحياة ويهرب بها بعيدا عن التدني والانحدار.
لكن كثيرين لا يفهمون أصول اللعبة فتعفر وجوههم دروب الحياة الشاقة، ويتركون أنفسهم لعبة في يد الضياع، ويعلقون فشلهم في الحفاظ على قلوب نظيفة، يعلقون هذا الفشل الأعظم على الحياة.
الشيء الذي يتناساه كثيرون أن كل منا يولد بمنطقة خضراء في قلبه، بل إن قلبه وهو وليد جديد يكون كله مساحة خضراء يانعة تستنشق منها رائحة الأمل، ومع كل خطوة في حياتنا نضطر أن نقتطع من هذه المساحة الخضراء ونبني جسورا أو جدرانا، نبني بيوتا وعلبا أسمنتية، نبني صروحا، كلما بنينا أكثر أتينا على مساحتنا الخضراء.
ما نبنيه ـ كما قلت ـ إما جدرانا تفصلنا عن الآخرين، لأننا جرحنا منهم ففضلنا العزلة، وإما جسورا في محاولة تواصل معهم، وإما بيوتا وصروحا لتحقيق المصالح.
ونظل نبني ونحن غافلين أننا ننهي على مساحة خضراء كانت تميزنا، كانت هي متنفسنا.
مساحتك الخضراء هي روحك النقية، هي طلة النور التي يراها الآخرون في وجهك، هي بهاء طلتك وطفولية ابتسامتك.
ويمر العمر وتجري السنون ونريد أن نرتاح في قطعة خضراء نجدها بداخلنا فلا نجد.. لماذا؟
لأننا قضينا على براءتنا وطفولية أحاسيسنا في رحلة حقد أو تكالب أو كراهية.
نحاول أن نهدم أبنيتنا لنعيد حديقتنا، فلا المعول يساعدنا، ولا الحديقة تعود، ولا الأبنية تزال،
كل ما يحدث أننا نجد أنفسنا وقد ضمت صدورنا أرضا بورا وكمية مرهقة من الأبنية المهدمة وسرب من الغربان والبوم ينشد فوق الأطلال نشيد الألم.
وحده من يفوز في رحلته، هو من جاهد وحارب حتى تظل منطقته الخضراء موجودة، حتى وإن اضطر للبناء فيها، فله حديقته التي يرعاها يوميا، ويخلد إليها عندما تخذله الأيام، فتحتضنه بعبق الفجر البكر عندما تحتضن أذرع الزرع حبات الندى.
ولا عزاء لأصحاب القلوب المعاقة لأنهم من البداية دربوا هذه القلوب على الحقد، فلم ولن يحصدوا إلا الفشل