الأبناء

إضاءات على دور الأسرة في تنشئة الأبناء

إن حياتنا الاجتماعية، في واقع أمرها، علاقات إنسانية غير منظورة تصلنا بالأَفراد والجماعات وبالثقافة المحيطة بنا، فتتأثر بها وتؤثر فيها وتتكيّف معها جميعها. والأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية والبيئة الأولى، التي ترعى الفرد. فهي تشتمل على أقوى المؤثرات التي تُوجّه نموَّ طفولته.. والبيئة المنزلية الجيدة التي يتوافر فيها الاهتمام بالشأن الثقافي في بداية حياة الفرد؛ لها الدور الأعظم في النموّ الجسمي والنفسي والعقلي، وإن كانت البيئة الجيدة لا تجعل الأفراد متماثلين إلا أنها تُعطي الفرصة لكل فرد كي ينمو للحد الأقصى الذي تؤهله له قدراته.
والطفل بطبيعته يميل إلى تقليد الآخرين، وبخاصة الراشدين أو من هم أكبر منه سناً، والتقليد في الطفولة دعامة قوية من دعامات التعلم وكسب المهارات المختلفة فالنمو، على سبيل المثال، يعتمد على تقليد الأطفال الصغار لمن حولهم من الكبار في أصواتهم وحركاتهم المُعبّرة.
ويتصل الطفل بالثقافة التي تُهيمن على حياة الأسرة وعلى المجتمع الخارجي الكبير، فيتأثر بها ويتشرب منها تعاليم الدين والتقاليد والعُرف والخُلق، وأحياناً الأساطير والخرافات وبعض أنماط السلوك غير المحمود.. وهكذا ينمو الفرد ،من بداية مراحله العمرية حتى نهايتها ،في إطار ثقافي يتفاعل معه ويرعى مسالك نُموِّه ومراحل تطوره، ويتمثل هذا الإطار الاجتماعي في بيئة الطفل الاجتماعية وفي أسرته التي يعيش فيها وفي المؤثرات والعلاقات الثقافية التي يتعرض لها في مراحل نموه.
فالأسرة هي النسق الأول المسؤول عن تربية الطفل ، وهي القوة النفسية للفرد  حيث تشكل لديه مختلف الاتجاهات والقيم والمعايير السلوكية المرغوب فيها.
ويمكن القول بأن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل مقولة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- ( الصلاح من الله والأدب من الآباء).
الأسرة وبناء القيم والسلوك:
للوالِدَيْنِ أساليبُ خاصة من القيم والسلوكِ يمارسونها تجَاهَ أبنائهم في المناسباتِ المختلفةِ، ولهذا فإن انحرافاتِ الآباءِ من أخطرِ الأمورِ التِي تُوَلِّدُ انحرافَ الأبناءِ.
فالتوجيهُ القيمي يبدأُ في نطاقِ الأسرةِ أولاً، فالمدرسة والمجتمع. فالأسرةُ هي التي تُكْسِبُ الطفلَ قِيَمَهُ فَيَعْرِفُ الَحقَ والبَاطلَ، والخيرَ والشرَ، وَهو يَتلَّقَى هذه القيمِ دونَ مناقشةٍ في سِنيهِ الأولى، حيث تتحددُ عناصرُ شخصيتِهِ، وتتميزُ ملامحُ هويتِهِ في سلوكه وأخلاقه؛ لذلك فإن مسؤولية ربّ الأسرةِ تعليمِ أهلِهِ وأولاده القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعيِ من أجل تأمين الرزق والطعام والشراب واللباس ومستلزمات الحياة الأخرى..
مخاطر تواجه الأسرة :
هناك مخاطر عديدة تواجهها الأسرة، ولا يمكن الإسهاب في تناولها، فنتناول أبرزها بإيجاز:
أ-التناقض في أقوال الوالدين وسلوكياتهم:
بعض الآباء والأمهات يناقضون أنفسهم بأنفسهم، فتجدهم يأمرون الأولاد بأمور وهم يخالفونها، وهذه الأمور تسبب تناقضا لدى الأولاد، فالأب الذي يكذب؛ يعلم أبناءه الكذب، وكذلك الأم التي تخدع جارتها بمسمع من بنتها تعلم ابنتها مساوئ الأخلاق.
ب-الانفصام بين المدرسة والأسرة:
الانفصام بين دور الأسرة في الرعاية والتوجيه، ودور المدرسة في التربية والتعليم؛ له آثار سلبية عديدة، ولذا ينبغي مد جسور التعاون بين الأسرة والمدرسة، وإيجاد جَوٍ من الثقة والتعاون يساعد على النهوض بالأبناء نحو الرقي والفلاح والبناء القويم والتربية السليمة الواعية المعطاءة
ج ـ- الفراغ وعدم الإفادة من الوقت:
ينبغي أن يشغل الأبناء أوقاتهم بالنفع والفائدة، يقول النبي: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصِّحة والفراغ )  “رواه البخاري ، حديث 6412” فهناك الأعمال التي يسهمون فيها بمساعدة والديهم والبِرِّ بهم، ويمكن تعويدهم حضور مجالس الآباء وندوات العلم والمعرفة المفيدة، والتدرب على المطالعة ، وتنمية هوايات الشعر والأدب والرسم والموسيقى والرياضة ودمجه في الأندية ومؤسسات الخدمات والأنشطة الاجتماعية الأخرى …
وأخيرًا؛ هذه مجموعة من التوجيهات التربوية الموجزة :
1 -محاولة تخصيص وقت كاف للجلوس مع الأبناء، وتبادل الأحاديث المتنوعة: الأخبار الاجتماعية والدراسية والثقافية وغيرها.
2 -التركيز على التربية الأخلاقية والمُثُل الطيبة، وأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما.
3 -احترام الأبناء عن طريق الاحترام المتبادل، وتنمية الوعي، والصراحة، والوضوح.
4 – فهم نفسية الأولاد، وإعطاؤهم الثقة في أنفسهم .
5 -إشراك الأولاد في القيام بأدوار اجتماعية وأعمال نافعة .
6 -قبول التنوع في اختيارات الأبناء الشخصية، كاختيار اللباس وبعض الهوايات، طالما ليس فيها محاذير شخصية أو اجتماعية
7 -التشجيع الدائم للأولاد والاستحسان والمدح؛ بل وتقديم الهدايا والمكافآت التشجيعية، كلما قَدَّموا أعمالاً نبيلة ونجاحًا في حياتهم.
8 -عدم السخرية والتهديد بالعقاب الدائم للأبناء، متى ما أخفقوا في دراستهم أو وقعوا في أخطاء من غير قصد منهم؛ بل يتم تلمس المشكلة بهدوء، ومحاولة التغلب على الخطأ بالحكمة، والتوجيه الحسن
9 -عدم إظهار المخالفات والنزاعات التي تحدث بين الوالدين أمام سمع أبنائهم .
10 -الصبر الجميل في تربية الأبناء، وتحمل ما يحدث منهم من عناد أو عصيان، والدعاء بصلاحهم وتوفيقهم.
ومن هنا أود التأكيد على أن دور الأسرة في رعاية الأولاد ؛ هو أقوى دعائم المجتمعِ تأثيرًا في تكوينِ شخصيةِ الأبناء، وتوجيهِ سلوكِهمِ، وإعدادهم للمستقبل شخصيات قادرة وفاعلة.

(الغد)

اترك تعليقاً

إغلاق